كما تدين تدان
خرج من عمله منهكاً الساعة الثانية ظهرا متوجها الى منزله بعد يوم حافل بالمشاكل مع الطلاب والمعلمين كونه مديرا لمدرسة متوسطة ، وفي خضم صراعه مع الزحام الشديد الذي استنفذ ما تبقى من طاقة جسدية ونفسية لدية اذا به يتلقى مكالمة من شقيقة المرافق لواله بالمستشفى يخبره بأن والده المنوم بحالة صعبة قد استيقظ من غيبوبته وبدأ الحديث وطلب منه أن يحضر له بعض المشروبات البارده ، في لحظتها غير من مسار سيارته باتجاه المستشفى ووقف عند احد الأسواق التجارية وابتاع من المشروبات ما علم محبة والده له واتجه نحو المستشفى في وقت أُعلن فيه عن انتهاء موعد الزيارة وما أن وصل إلى مدخل المبنى الرئيس حتى فوجئ بأن رجل الأمن يوقفه ويمنعه من الدخول ، حاول صاحبنا اقناع رجل الأمن بأهمية الموضوع فذهبت جميع محاولاته ادراج الرياح مع اصرار رجل الأمن على الرفض بحجة النظام ، انزعج صاحبنا بعدم تقدير هذا الرجل لوضعه النفسي فقدم له حلاً آخر يتماشى مع النظام الذي ادعى تطبيقه فطلب منه أن يسمح له بالاتصال بغرفة والده ليطلب من أخيه النزول الى البوابة لاستلام ماجاء به من مشروبات لوالده ، ومع واقعية هذا الطلب الا أن رجل الأمن رفضه مرة أخرى بحجة النظام ، فماكان من صاحبنا إلا أن أصر على رأيه واستمر في مناقشة رجل الأمن لعل وعسى وعندها ازداد رجل الأمن اصرارا بل واستعان بزملاءه في مجادلة هذا الرجل واخذتهم العزة بالأثم وبينوا له برسالة واضحة أنهم لن يستجيبوا لطلبه مهما كلف الأمر ومهما كان وضع والد الصحي ، استرجع صاحبنا وعاد ادراجه الى بيته يجر اذيال الخيبة والقهر وقلبه يشتعل غلاً على هؤلاء الذين استجمعوا أنفسهم على تحديه وقهره ، مرة الأيام والشهور وفي يوم من أيام بداية العام الدراسي الجديد وصاحبنا في خلوة على مكتبه يقلب التعاميم الواردة اليه واذا برجل يخترق عليه خلوته متأبطا ملفاً اخضر ويلقي عليه التحية ويطلب منه أن يقبل ابنه في هذه المدرسة بحجة أن المدرسة التي وجه إليها الأبن حسب النظام مدرسة سيئة ومستواها غير مقبول ، رفع صاحبنا رأسه إلى من أخترق عليه خلوته وحدق النظر فيه مرة وأخرى تلاها بفرك عينيه غير مصدق من هذا الذي أمامه ، إنه هو .. نعم هو من اشعل قلبه قهرا عندما رفض دخوله على والده ، أخرج من اعماق صدره زفرة حارة وخاطب نفسه بصوت خفي وتذكر بأن الأيام دول وكما تدين تدان وهاهي الفرصة ليلقن هذا الرجل درساً في النظام وحسن التعامل وتقدير الظروف ، رفض طلبه بجحة أن النظام يمنع ذلك وأن هذا الابن موجه الى مدرسة اخرى ، حاول والد الطفل اقناع هذا المدير واستجلاب عطفه واستدراد رحمته الا أن جميع محاولاته قد ذهبت ايضا ادراج الرياح ، وما علم هذا الرجل وما تذكر شيئا مما كان في السابق لأنه وكما يقال ينسى الظالم ولا ينسى المظلوم ، عندما هم والد الطالب بالخروج استوقفه صاحبنا وذكره بما بدر منه وألقى عليه موعظة في حسن الخلق وتقدير الرجال والظروف وأن الناس خدم لبعضه فمن احتاجك اليوم احتجته غدا ، ثم تركه ينصرف يلوم نفسه وعنجهيته .