تساهل بعض الجمعيات الخيرية في توثيق أوقافهم توثيقًا رسميًا في المحاكم


بسم الله الرحمن الرحيم
استشارات وقفية
اجاب عنها : إبراهيم بن محمد السماعيل

السؤال:
تتساهل بعض الجمعيات الخيرية في توثيق أوقافهم توثيقًا رسميًا في المحاكم بحجج متنوعة منها: خوفهم من استيلاء المؤسسات ‏الحكومية عليها، أو رغبتهم في التصرف في أعيان الوقف بالبيع والشراء والرهن دون تدخل القضاء وتعقيداته الإدارية)، فهل ‏تصرفهم هذا تصرف إيجابي، أم أنه تصرف يمكن أن يعود بالضرر على هذه الأوقاف في المستقبل؟
الجواب:
مقدمة:‏
انطلاقة قوية حققتها الجمعيات الخيرية نحو تحقيق الاستدامة المالية لمشاريعها وبرامجها الخيرية كانت الاوقاف ‏احد اهم وأنجع أدواتها فتسابقت الجمعيات وتنافست في تأسيس الاوقاف وأبدعت في تسويقها لأفراد المجتمع ‏عبر منظومة متكاملة متميزة من الأدوات الإعلامية التي لا قت تجاوباً كبيرا وتفاعلاً غير مسبوق من العامة ‏والخاصة أفراداً ومؤسسات ، وبما ان الكمال عزيز فقد واجهت هذه الانطلاقة بعض الممارسات العفوية التي إن لم ‏يتم تداركها وعلاجها فلربما تتسبب في تأخير هذه الانطلاقة وتسهم في خلخلة الثقة التي تم بناؤه بين الجمعيات ‏الخيرية وعامة أفراد المجتمع ، ومن اهم هذه الممارسات قضية عدم توثيق الاوقاف بصكوك شرعية من المحاكم ‏المختصة بحجج متنوعة منها ما يتعلق بموضوع التحرر من الأنظمة المقيدة والاجراءات الطويلة في عمليات البيع ‏والشراء والاستبدال والرهن وغيرها ، ومنها ما يتعلق بمستقبل هذه الاوقاف والخوف عليها من سطوة المؤسسات ‏الحكومية عليها.... الخ من تلك التحولات والتخوفات. ‏
واقع التوثيق الحالي: ‏
والراصد لأوقاف الجمعيات الخيرية (التي تم تسويقها على أفراد المجتمع من قبل هذه الجمعيات) وآلية توثيقها ‏يجد انها على أنوع منها:
‏١- اوقاف خيرية موثقة بصكوك شرعية من المحاكم المختصة تحت نظارة مجلس ادارة هذه الجمعيات بصفتهم ‏الاعتبارية.‏
‏٢- اوقاف خيرية موثقة بصكوك شرعية من المحاكم المختصة تحت نظارة (شخص، او أشخاص) طبيعيين، ‏ومسجلة بوثيقة خارجية (ورقة ضد) بأنها اوقاف تابعة للجمعية الفلانية.‏
‏٣- اوقاف خيرية وثقت على أوراق خارجية أشير فيها أن هذه الاعيان اوقاف على الجمعية الخيرية، وما زالت ‏صكوكها باسم الجمعية الخيرية ولم يتم توثيقها والتهميش عليها من قبل المحاكم المختصة.‏
‏٤- اوقاف خيرية سوقت اعلاميا وجمعت لها المبالغ المالية كأوقاف خيرية لكنها لم توثق لا بصكوك شرعية ولا ‏أوراق خارجية (أوراق ضد).‏
‏(ملحوظة: نحن هنا لا نتحدث عن الاوقاف الخيرية التي أوقفها الواقفون وحددوا مجلس نظراتها من قبلهم ‏وجعلوا مصرفها لجمعية معينة).‏
مخاطر عدم التوثيق الرسمي لأوقاف الجمعيات الخيرية: ‏
‏١- الجمعيات الخيرية جمعيات أهلية نظامية مرخصة وفق نظام ملزم لها، وعدم توثيقها لأوقافها بشكل رسمي ‏يعتبر مخالفة شرعية ونظامية وهي أولى من غيرها بمراعاة الجانب الشرعي والنظامي للأوقاف.‏
‏٢- الأموال التي تم تحصيلها باسم الوقف تبرع بها المحسنون ثقة في هذه الجمعيات وفق عقد أدبي حسب اعلان ‏الجمعية على أساس انها اوقاف وبالتالي فان عدم التوثيق الذي يحمي حقوق المتبرعين يعتبر اخلالاً بالعقد الأدبي ‏بين الجمعية والمتبرع.‏
‏٣- الأموال التي تم تحصيلها من المحسنين باسم الوقف هي حق للوقف وللمتبرعين فمن الذي خول مجلس ادارة ‏الجمعية بعدم توثيق هذه الاوقاف والتصرف فيها بيعا وشراء ورهنا، وهل تبرأ ذمتهم بذلك. ‏
‏٣- تصرف ادارة الجمعية في الاوقاف غير الموثقة شرعا بالبيع والشراء والرهن دون الرجوع للمحكمة يعتبر مخالفة ‏لأنظمة الدولة التي تنص على ان حق البيع والشراء والرهن مرتبط بموافقة المحكمة على ذلك، والجمعيات الخيرية ‏هي اول من يجب ان يراعي هذه الأنظمة.‏
‏٤-  في حال التصرف في هذه الاوقاف غير المثبتة شرعا بالبيع والرهن والاستثمار فمن يضمن تحقق الغبطة ‏للوقف، ‏
‏٥- قد يكون أعضاء مجلس ادارة الجمعية أناس فضلاء ثقات وبالتالي فقد يقال بانه لا خوف على الوقف من ‏التعدي او التفريط، وعلى افتراض قبول هذا الرأي تجاوزا فمن يضمن مجالس الادارة الجديدة في المستقبل ومن ‏سيتحمل اي اعتداء او تفريط من قبلهم على الوقف.‏
‏٦- التصرف بالبيع والشراء ينتج عنه عمولات مالية تكون ضخمة احيانا وقد تغري هذه الأموال بعض ضعفاء ‏النفوس من اعضاء مجلس الادارة فيترخصون في اخذها كلها او بعضها فمن سيمنعهم من ذلك.‏
‏٧- الطمع وحش كاسر فاذا تحرك في قليل المال فقد لا يتوقف الا بأكل الوقف كله.‏
‏٨- عدم التوثيق الرسمي والتجرؤ على التصرف في الوقف بالبيع والشراء دون إذن المحكمة قد يتسبب مستقبلا ‏في بيع الوقف ونقله واستبداله بعين اخرى بحجة ظاهرها مصلحة الوقف وباطنها مصلحة خاصة لبعض  او كل ‏اعضاء مجلس الادارة من ضعفاء الذمم.‏
‏٩- مع مرور الزمن وتغير مجالس الادارة ربما تٓتْلف او تُتْلف ما يسمى بأوراق الضد المسجل عليها إقرار مجلس ‏الادارة بكون هذه الأعيان وقف للجمعية فما هو مصير هذه الاوقاف في حال حل الجمعية وتصرف ‏الوزارة  المعنية بأموالها والتي من ضمنها أموال الاوقاف.‏
‏١٠- سؤال: لو علم المتبرعون لهذه الاوقاف التي تصاحبها عادة دعايات كبيرة ان اموالهم التي تبرعوا بها لهذه ‏الاوقاف لم تسجل رسميا في المحكمة وان مجالس الادارة يتصرفون فيها بيعا وشراء فهل سيوافقون على التبرع ام ‏سيحجمون؟
‏١١- ماهي الصورة الذهنية التي ستتشكل لدى المجتمع عن العمل الخيري عامة وهذه الجمعيات خاصة في حال ‏معرفتهم بان اموالهم التي تبرعوا بها للأوقاف لم توثق رسمياً وان مجالس الادارة تتصرف فيها بالبيع والشراء دون ‏رقابة ولا إذن من المحكمة.‏
‏١٢- العمل الخيري قاعدته الصلبة هي الثقة بين المتبرع والقائمين على هذا العمل وهذه الثقة ثمرات سنوات من ‏العمل وأي تصرف خاطئ سيهدم ما بُني في سنوات في ثوانٍ معدودة.‏
مقترحات لضمان توثيق اوقاف الجمعيات الخيرية: ‏
‏١- قيام وزارة العدل بتسهيل الإجراءات الإدارية والشرعية المتعلقة بالتصرف في الاوقاف بيعا وشراء ورهنا، ‏ولعل اللجنة المشكلة من قبل وزارة العدل تخرج بإجراءات اكثر مرونة تسهم في حماية الوقف وتبسيط الإجراءات ‏‏.‏
‏٢- قيام الهيئة العامة للأوقاف بحملة إعلامية موجهة تحمل رسائل تطمينية للواقفين باستقلالية أوقافهم بعيدا ‏عن هيمنة المؤسسات الحكومية.‏
‏٣- قيام الهيئة العامة للأوقاف بسن تشريعات قانونية وادارية من شانها حفظ حقوق الواقفين وضمان استقلالية ‏اوقافهم وديمومتها.‏
‏٤- ربط تصاريح الإذن بجمع التبرعات للأوقاف الخيرية للجمعيات بالتزام موقع من اعضاء مجالس الادارة في ‏الجمعيات الخيرية بسعيهم لتوثيق هذه الاوقاف بصكوك شرعية خلال مدة يتفق عليها بين الجهة المانحة ‏للتصريح (الهيئة العامة للأوقاف) والجمعية الخيرية المشرفة على الوقف.‏
‏٥-تضمين نظام الجمعيات الأهلية ولائحته التنفيذية مواد مرنة توضح اليات توثيق الاوقاف التابعة للجمعيات ‏‏.‏
‏٦- نشر الوعي بين اعضاء مجالس الادارة في الجمعيات الخيرية والعاملين في تلك الجمعيات بأهمية الالتزام ‏بالأحكام الشرعية والانظمة الحكومية المتعلقة بالأوقاف.‏
‏٧- مناقشة هذه القضية بشكل مستفيض وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها  والانظمة المنظمة لها من خلال ‏المؤتمرات والملتقيات الوقفية.‏
‏٨- توعية الواقفين بأهمية التأكد من تكامل عمليات التوثيق للأوقاف قبل تبرعهم لها.‏
‏٩- قيام مؤسسات متخصصة موثوقة بوضع معايير متنوعة (يكون أولها التوثيق الشرعي للأوقاف) يتم من ‏خلالها تسمية الاوقاف الخيرية المرشحة للدعم من قبل أفراد المجتمع.‏
‏١٠-ربط مساهمة المؤسسات المانحة في دعم اوقاف الجمعيات الخيرية بوجود صكوك شرعية لها او على الاقل ‏التزام أدبي من مجالس ادارة الجمعيات بتوثيق هذه الاوقاف خلال مدة يتفق عليها بين المؤسسات المانحة ‏والجمعيات الخيرية.‏
كتبه:
 ابراهيم بن محمد السماعيل

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مهام مجلس الإدارة في الجمعيات الخيرية:

مهام المدير التنفيذي

مجالس الإدارة في المؤسسات الخيرية بين الصورة والحقيقة